الوجود الحقيقي للإمام علي (عليه السلام) في الأزمنة السا
السؤال : روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ( يا علي هلك فيك اثنان : مُحبٌّ غالٍ وعدوٌّ قال ) .
لقد تواترت أخبار مستفيضة بأن الأنبياء ( عليهم السلام ) كانوا يستغيثون إلى الله سبحانه وتعالى بأسماء الخمسة أصحاب الكساء ، وعند إشراف الضيق والبلاء ، وأن الخمسة أصحاب الكساء كانوا أنواراً يسبحون حول العرش .
إن بعض الفضلاء يدعون بأن الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان له وجود حقيقي روحاً وجسداً في عالم الدنيا منذ زمن آدم ( عليه السلام ) ، وأنه كانت له مواقف عديدة أعان وأغاث فيها الأنبياء ( عليهم السلام ) ، فهو عصى موسى ( عليه السلام ) التي تحولت إلى ثعبان ، وهو محضر عرش بلقيس إلى سليمان ( عليه السلام ) ، وهو الذي أعاذ يوسف ( عليه السلام ) في الجب ، ويونس ( عليه السلام ) في بطن الحوت .
كل ذلك العمل حقيقي بروحه وجسده ، وهم يستدلون بذلك عن طريق بعض الروايات منها :
أ - وردت في كتاب ( مواهب الرحمن في مناقب سلمان ) رواية تدل على أن الإمام أنقذ سلمان ( رضوان الله تعالى عليه ) في زمان غابر من الأسد ، وأنه تصارع مع سلمان ( رضوان الله تعالى عليه ) فصرعه .
ب - ورد في كتاب ( علي من المهد إلى اللحد ) تأليف السيد محمد كاظم القزويني أن الإمام ( عليه السلام ) عند ولادته كان يقرأ ( سورة المؤمنون ) ، إلى غير هذه الروايات .
فإذا أمكن للإمام ( عليه السلام ) أن يقرأ القرآن قبل نزوله فإنه لا خلاف في إمكان وجوده في الدنيا قبل مولده ، هذا ما يستدل به القوم .
ولكن هذا يستلزم تقدم المعلول على علته ، أي الوجود الحقيقي قبل ولادته ، ومن المعلوم بالضرورة أنه لو كان للإمام ( عليه السلام ) تأثير روحاً وجسداً في عالم الوجود وهو لم يولد بعد وجب أن يكون الله سبحانه وتعالى قد أفاض عليه الوجود كما مقرر في الفلسفة أن وجود العلة يوجب تحقيق المعلول ولا يمكن تقديم المعلول على العلة .
ولو كان موجود فما الداعي لولادته وطفولته ونشأته كما هو معلوم ؟ السؤال هنا :
هل يمكن تصور وجود حقيقي روحاً وجسداً للإمام ( عليه السلام ) ؟ وتأثير في عالم الدنيا منذ عهد آدم إلى عهد النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
أرجو أن تتفضل سماحتكم ببحث المسألة فهي عندي في غاية الأهمية ، ولكم عند الله الأجر والثواب .
الجواب : الدعوى المذكورة لا تستند إلى برهان ، بل هي مخالفة للضرورة وللنصوص الكثيرة الواردة في تعيين صاحب سليمان ( عليه السلام ) ، وأنه آصف بن برخيا ، والصريحة في أن الذي كان يؤنس يوسف ( عليه السلام ) في الجب هو جبرائيل ( عليه السلام ) ، وأن عصا موسى ( عليه السلام ) من عوسج ، وأنها عند الأئمة ( عليهم السلام ) في جملة مواريث الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وغير ذلك مما يجعل الدعوى المذكورة تخريفاً من أناس سذج منحطين عقلياً وفكرياً ، أو من أناس مضللين لا يهمهم إنكار الضرورات .
وليس في الروايتين المشار إليهما ما ينهض بمقاومة الضرورة المذكورة ، أما رواية مواهب الرحمن في مناقب سلمان فهي لو صحت - وليس كل رواية صحيحة - لا تدل على أنه موجود سابقاً بهذا الجسد ، بل كل ما تدل عليه أنه حضر سلمان بصورة جسدية ولعله كان روحاً مجردة متجسدة كتجسد الملائكة .
على أن سلمان لم يُسلم إلا بعد الهجرة ، ولعل الحادثة وقعت قبل الهجرة بقليل يوم كان الإمام موجوداً أو رجلاً ،
وأما قصة قراءته عند ولادته لقوله تعالى :
( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) [ المؤمنون : 1 ] ، فهي لا تدل إلا على أن الله تعالى قد ألهمه الآية أو السورة عند ولادته ، ولا تدل على أنه كان موجوداً بجسده قبل ولادته .
وبالجملة : تفاهة الدعوى تغني عن إطالة الكلام فيها .